﴿ حيويّةُ اللّغة العربية و مواكبتُها للعصر ﴾

خمسينَ أمضيْتُ بينَ اللّوحِ و القَلَمِ

 

 

بذلْتُ للنَّشْءِ فيها مُهجتي وَ دَمي

أسْقِيهمُ اللّغةَ الفُصحى أُذَلِّلُها

 

 

كيْما تصيرَ شَراباً سائغاً بِفَمِ

عَشِقْتُها يافعاً حتى فُتِنْتُ بها

 

 

و صِرْتُ في حُبِّها ناراً على عَلَمِ

وَ غُصْتُ في بَحرها الطَّامي و لُجَّتِها

 

 

أجْني اللآلئَ جَنيَ الحاذِقِ الفَهِمِ

أُحبُّها حُبَّ قيسٍ إذْ تَمُرُّ بها

 

 

ليلى فيا صاحِ لا تَعْذُل و لا تَلُمِ

و ما جميلٌ و بُثْنٌ عنهُ راضيةٌ

 

 

مِثْلِي إذا ذُقْتُ معنىً ضَجَّ بِالحِكَمِ

أُجِلُّها لغةً للوَحيِ حامِلةً

 

 

و في الجِنانِ غداً منْطوقَةَ الأُمَمِ

أَحبَّها المصطفى المُختارُ أُسْوتُنا

 

 

لأنّه عَربيُّ الأصلِ و الشِّيَمِ

مالي أراكَ أخا الإسلامِ تَهْجُرها

 

 

إلى الرَّطانةِ هَجْرَ النَّومِ للهَرِمِ

و تَقْرِضُ الشِّعرَ فيها تارةً زَجَلاً

 

 

و تارةً نَبطيَّ الحرفِ و الكَلِمِ

و تدَّعي بعدها للعُرْبِ مُنْتَسَباً

 

 

هذا لَعَمْري سبيلُ الواهِمِ الوَهِمِ

لو قامَ أهلُ عُكاظٍ من قُبورِهمُو

 

 

تَبرَّؤوا منكُمُ يا إِخوةَ العَجَمِ

أَتطمعونَ بِشِعرٍ تَهْجُرونَ بِهِ

 

 

أُمَّ اللّغاتِ؟ فيا حُزني و يا أَلمي

فَسُلَّمُ الشِّعرِ صَعْبٌ مُرْتقاه إذا

 

 

ما خاضَ فيه سَقيمُ الحرفِ و النَّغَمِ

فالشَّعرُ مَعنىً جميلٌ سالَ مِن شَفةٍ

 

 

و اللَّفظُ كالقَطرِ هَطّالاً مِنَ الدِّيَمِ

و صورةٌ من خيالٍ ساحَ مُلْتَمِساً

 

 

ألوانَها مِنْ خيوطِ الشّمسِ و النُّجُمِ

كلُّ اللُّغاتِ على الأيامِ قدْ وَجِعَتْ

 

 

لكنَّما اللّغةُ العَرباءُ لمْ تُضَمِ

هِيَ المنيعَةُ و الرّحمنُ يَحرُسها

 

 

على الزَّمانِ مِنَ الأمراضِ و السَّقَمِ

يَشيبُ فينا سُهيلٌ وَ هْيَ يافِعَةٌ

 

 

ما دامَ يحفظُها القرآنُ مِنْ هَرَمِ

و الضّادُ ميّزَها حتى بهِ عُرِفَتْ

 

 

و إنّها مِنْ هِباتِ اللهِ فاحْتَرِمِ

لِسْناً قدِ اختارَها ربّي مُقَدَّمةً

 

 

على اللّغاتِ فهذا مُنتهى الكَرمِ

قالُوا الفصيحةُ لا تُرجى لِأزمِنَةٍ

 

 

فيها الثَّقافةُ حِكْرُ الغربِ و العجمِ

لله أنْتُمْ فهذا لا يقولُ بِهِ

 

 

إلّا حقودٌ من الأعداءِ عَنْ وَرَمِ

أَلَمْ تَكُنْ وَسِعَتْ مِنْ غَير ما رَهَقٍ

 

 

ثَقافةَ الهِندِ و اليونانِ في القِدَمِ

فاسألْ دِمشقاً و بغداداً أما حَفِظتْ

 

 

كُلَّ العُلومِ بصدرٍ واسعٍ شَبِمِ

و اسألْ طُليطِلةً عنها و قُرْطُبةً

 

 

قدْ كانَتِ اللّغةَ المُثْلى لدى الأُمَمِ

إليهِما حَجَّ أهلُ الغَرْبِ في زَمَنٍ

 

 

كانوا يعيشون في داجٍ من الظُّلَمِ

أُمُّ اللّغاتِ بِفَحْواها و قُدرتِها

 

 

قدْ أَخرسَتْ مِنْ قديمٍ كلَّ مُتَّهِمِ

نَمْ هانِئاً يا أخا الإسلامِ مُغْتَبِطاً

 

 

فلنْ تَضيقَ بِعِلمِ الجبرِ و الرَّقَمِ

قدْ عَقَّها أهلُها جهلاً و فَرْنَجةً

 

 

ظُلمُ الأحِبّةِ يُدمي القَلبَ من أَلَمِ

إنّ الفصيحةَ أُمُّ العُرْبِ أجمَعِهِمْ

 

 

مَنْ عَقَّها أبداً في بِرِّهِ اتّهِمِ

فيا أخا العُرْبِ حاذِرْ أنْ تُضيِّعَها

 

 

إذاً سَتبكي دَماً مِنْ شِدَّةِ النَّدَمِ

إنْ صِينتِ اللّغةُ العَرْباءُ في وطني

 

 

فَسَوفَ تَبقى على الأيّامِ في سَلَمِ

يامَنْ خُدِعْتَ بإعلامِ العُداةِ فلا

 

 

تَرْكَنْ إلى مَنْ يَدُسُّ السُّمَّ في الدَّسَمِ

يُخْفونَ حِقْداً دَفيناً في صُدورِهمو

 

 

و نحنُ نعْلَمُ خَلْفَ الصَّدرِ و الأَكَمِ

أكْرِمْ بها لُغَةً للعُرْبِ رابِطةً

 

 

هِيَ السَّبيلُ لِتُرضي بارئ النَّسَمِ

يابْنَ العُروبةِ لا تَخْشَ العِدا أبداً

 

 

بابَ العُلومِ بِلِسْنِ العُرْبِ فاقْتَحِمِ

إِنّي لأعجَبُ من ذَوَّاقةٍ فَطِنٍ

 

 

مِنْ شَهدِها ذاقَ لَمْ يُفْتَنْ و لم يَهِمِ

هِيَ الفَصيحةُ لا أَرضى بها بدلاً

 

 

و غَيرَ أُمِّ لغاتِ الأرضِ لَمْ أَرُمِ

أَذُبُّ عنها الأعادي كيْ تظلَّ لنا

 

 

راياتُها خافِقاتٍ في ذُرا القِمَمِ

إنَّ العُداةَ مِنَ الرُّطَّانِ قدْ كَثُروا

 

 

وَ كُلُّهُمْ خَسِئُوا يَبغونَ لَجمَ فمي

لكنّني لَسْتُ هَيّاباً و لا وَجِلاً

 

 

سَيفي بيُمنايَ و اليُسرى بها قلمي

و إنّني سوفَ أبْقى ما حييتُ لها

 

 

أباً عطوفاً و حَقِّ البيتِ و الحَرَمِ

إنْ لم تعودوا إلى الفُصحى بَنيْ وَطني

 

 

و اللهِ و اللهِ ما جُرْحي بِمُلْتَئِمِ

سوريا -مدينة النبك

٢٠٠٨

   -علي أحمد الأديب- 

 

 

 

⊱━━━━⊰✾⊱━━━━⊱