بسم الله الرحمن الرحيم

دروس في البلاغة                                         

       الدرس الأول

 

                   تعريف البلاغة :

 هو إيصال المعنى الذي يريده المتكلم للمتلقي كتابةً أو سماعاً بإيجاز وبكلمات قليلة مختارة ومُنْتَقاة لذلك المعنى.

علم البلاغة :                                                                                                 

وهو مايسمى التطابق بين اللفظ والمعنى وحسب مقتضى الحال فألفاظ الغزل تختلف عن ألفاظ المديح وألفاظ الفخر تختلف عن ألفاظ الرثاء وماشابه ذلك, فعندما يكون اللفظ مناسباً للمعاني تكمن في ذلك البلاغة والفصاحة .

وقد قيل البلاغة في الإيجاز وقيل أيضاً لكل مقام مقال .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لقد أوتيت جوامع الكلم ومعنى جوامع الكلم هو التعبير عن المعنى الشريف بكلمات معدودة قليلة وهذا تعريف آخر للبلاغة

أمثلة

1.    حمي الوطيس

2.    إذا لم تستح فاصنع ما شئت  (أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)

 

وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لو أردنا أن نعد كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لعددناه.

 

وعلم البلاغة علمان

        أ‌-        علم البيان : ويبحث في تجميل المعاني وتحسينها.

      ب‌-      علم البديع : وبيحث في تجميل الألفاظ والكلام (تجميل الأسلوب) .

النص الأدبي سواء أ كان شعراً أو نثراً أو نصاً قرآنياً يتألف من  أَفْكارٍ ومَعانٍ أو مضمون يوصله مؤلفه إلى المتلقي بألفاظ وتراكيب وجمل تسمى الأسلوب وتسمى أيضاً شكل أو مبنى .

إذاً النص الأدبي :

شكل  >- ------------------< مبنى

معنى  >- --------------< مضمون

 

فائدة علم البلاغة :

 

1.    معرفة معاني القرآن الكريم وبعض أسرار إعجازه .

2.    تنمي القدرة على تمييز الكلام الحسن من الرديء .

3.    تساعد على كيفية اختيار الكلام المناسب للموقف فكما قلنا لكل مقال مقام.

4.    تساعد على اختيار النصوص البليغة من الشعر والنثر .

5.    تعطي الناقد الأحكام التي تساعده على تقويم النصوص الأديبة .

لذلك فإن البلاغة تفيد المتلكم وتعينه على صياغة كلامه وفقاً للمناسبة وتفيد القارئ في إدراك جمال مايقرأ والناقد بإعطائه آلات النقد وأحكامه .

وعلم البيان يتضمن :

·       التشبيه

·       والاستعارة

·       والكناية

·       والمجاز .

سنبدأ اليوم بدرس :                

                                  التشبيه

 

وهو الركن الأول من أركان علم البيان .

تعريفه : عقد مقارنة بين طرفين أو شيئين اشتركا في صفة أو أكثر بواسطة أداة التشبيه ليكسب المشبه من المشبه به صفاته .

مثاله :  زيد كحاتم الطائي في الكرم  (زيد هو المشبه وحاتم الطائي هو المشبه به)

لقد عقدت مقارنة بين الطرف الأول وهو المشبه زيد مع الطرف الثاني وهو المشبه به حاتم الطائي بواسطة الأداة وهي الكاف في حاتم, بصفة تجمع بينهما وهي الكرم وتسمى الصفة الجامعة وجه الشبه .

وفي المثال الثاني زيد مثل الأسد في الشجاعة , عقدت مقارنة بين زيد والأسد بواسطة الأداة  مثل  وجمعت بينهما بصفة الشجاعة وهي وجه الشبه .

وفي الشرح و التفصيل نقول أركان التشبيه هي :

1.    المشبه

2.    المشبه به  (المشبه والمشبه به  يسميان طرفي التشبيه)

3.    أداة التشبيه قد تكون حرفاً كالكاف أو كأن  فأقول زيد كحاتم الطائي في الكرم أو زيد كأنه حاتم الطائي في الكرم .

 

وقد تكون الأداة اسم كقولنا زيد مثل الأسد في الشجاعة وقد تكون الأداة فعلاً مثل يشبه , يشابه, يماثل , يحاكي , يضارع   فنقول  زيد يشبه حاتماً في الكرم أو زيد يشابه حاتماً في الكرم .

4.    وجه الشبه : وهو الصفة المشتركة بين المشبه والمشبه به ويكون وجه الشبه أوضح في المشبه به من المشبه .

أنواع التشبيه :

        أ‌-        التشبيه تام الأركان : وهو الذي يستوفي كل أركان التشبيه ومثاله :

زيد كحاتم الطائي في الكرم .

      ب‌-      المؤكد : وهو ماحُذِفت منه الأداة ومثاله : زيد حاتم الطائي في الكرم .

      ت‌-      المجمل : ماحُذِف منه وجه الشبه ومثاله : زيد كحاتم

      ث‌-      المرسل : ماذكرت فيه الأداة .

       ج‌-       المفصل : ماذكر فيه وجه الشبه .

       ح‌-       البليغ : وهو ماحُذِفت منه الأداة ووجه الشبه .

التشبيه البليغ =  تشبيه مؤكد + مجمل .

 

 

ويرد التشبيه البليغ بأشكال مختلفة :

1.    على شكل مبتدأ وخبر مثال : العلم نور .

2.    على شكل مضاف ومضاف إليه مثال : اهتدوا بنور العلم .

3.    على شكل مفعول مطلق مبين للنوع, أمثلة :

·       قوله تعالى  (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) (نَظَرَ : مفعول مطلق منصوب بالفتحة)

·       وثب الرياضي وثوب الغزال .

·       سقط اللاعب على الأرض سقوط المغشي عليه .

       قيمة التشبيه البلاغية :

يقدم التشبيه المعنى على شكل صورة تجمع بين المشبه والمشبه به فتنقلك الصورة من المشبه إلى المشبه به فتثير خيالك وتفيدك فائدتين :

1.    توضح المعنى

2.    تشرق في النفس ويكسب المشبه من المشبه به صفاته

    

أنواع أخرى للتشبيه :

 

أ‌-        التشبيه التمثيلي : وفيه وجه الشبه منتزع من متعدد (تشبيه صورة بصورة) 

 أمثلة :

·     قوله تعالى (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا َقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ) سور البقرة- آية 275-

· وقوله تعالى (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ۚ وَعْدًا عَلَيْنَا ۚ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ(  الأنبياء –الآية 104- .

· وقوله تعالى (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا ) الجمعة – آية 5-

·  ومثاله أيضاً قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)

·       ومثال آخر قول الشاعر بشار بن برد :

    كأن مثار النقع فوق رؤوسنا .... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه.

·       وكقول الشاعر أبو العلاء المعري في وصف ليلة حالكة

ليلتي هذه عُروسٌ من الزّنْجِ    .....   عليها قلائِدٌ مِن جُمانِ

 هَرَبَ النّوْمُ عن جُفونيَ فيها      .....      هَرَبَ الأمْنِ عن فؤادِ الجَبانِ

وكأنّ الهِلالَ يَهْوى الثّريّا     ......       فهُما للوَداعِ مُعْتَنِقانِ

·       وأيضاً مثال على التشبيه التمثيلي قول قيس بن الملوح

     كَأَنَّ القَلبَ لَيلَةَ قيلَ يَغدى..... بِلَيلى العامِرِيَةِ أَو يُراحُ

     قَطاةٌ غرَّها شَرَكٌ فَباتَت .......تجاذِبُهُ وَقَد عَلِقَ الجَناحُ

·      وقول أحدهم 

      كالعيس في البيداء يقتلها الظما.... والماء فوق ظهورها محمول 

  البيت السابق اختُلِف من قائله فمنهم من نسبه لطرفة بن العبد ومنهم من نسبه إلى عبد الغني النابلسي   .

      ب‌-      التشبيه الضمني : يُلمح التشبيه الضمني في الكلام ولا يأتي على صورة التشبيه المعهودة     

                                                                

أمثلة :

· يقول ابو فراس الحمداني وهو في الأسر                                                

    سيذكرني قومي إذا جدّ جدهمُ، وفي الليلة الظلماء يفتقد البدرُ

·   وقول المتنبي

ما كلّ ما يتمنّى المرءُ يُدرِكُه ..... تجــري الرياح بما لا تشتهي السُّفُنُ

·  وقول المتنبي

      من يهن يسهل الهوان عليه.... مالجرح بميت إيلام 

· وقول المتنبي

     رماني الدهرُ بالأرزاءِ حتّىفؤادي في غشاءٍ من نِبالِ

  فصرْتُ إذا أصابتني سِهامٌ………تكسّرتِ النِّصالُ على النِّصالِ

        ت‌-      التشبيه المقلوب : هو وضع المشبه به مكان المشبه

أمثلة :

·         قوله تعالى (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) سور البقرة- آية 275-

  

·           ومثال آخر عن التشبيه المقلوب قول البحتري :

     في حُمرَةِ الوَرْدِ شَيءٌ من تَلَهّبِها،, وللقَضِيبِ نَصِيبٌ مِنْ تَثَنّيهَا

·         و قول محمد بن وهيب الحميري في مدح الخليفة المأمون

               و بدا الصباحُ كأنَّ غرته .. وجه الخليفة حين يُـمتدح.

                    --------------------

ملاحظة : قيمة التشبيه البلاغية ينقل السامع من المشبه إلى المشبه به فيثير خيالنا ويشرق نفوسنا ويمتعنا وكلما خفي التشبيه كان أجمل


                              والسلام عليكم ورحمة الله