بسم الله الرحمن الرحيم

دروس في البلاغة                                                الدرس الثالث

درسنا اليوم النوع الثالث من علم البيان وهو :

الكناية

تعريفها مع الشرح :

 للكناية تعريفات كثيرة اخترت أيسرها وأسهلها وهي :

  لفظ لايقصد منه المعنى الحقيقي الظاهر  للكلام وإنما يُقصد ماينتج عن معنى هذا الكلام. وهو المعنى الخفي الذي يلازم المعنى الأصلي (الحقيقي) ومستوحىً منه.

مثاله :

وقف فلانٌ مرفوع الرأس .

فـ مرفوع الرأس هو المعنى الأصلي للكلام وقد يجوز أن يكون المعنى صحيحاً ولكن المعنى المراد والخفي الناتج عن هذا الكلام هو كناية عن الفخر والاعتزاز والشموخ.

ومثاله أيضاً قوله تعالى ( وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ) القمر الآية ( 13)

فالمعنى الخفي والمقصود في الأية الكريمة أن الحمل كان على السفينة وهي الكناية         إذاً لايراد المعنى الأصلي وهو الحمل على ألواح ودسر ولكن مانتج عن الألواح والدسر وهي السفينة فكنى عن السفينة بالألواح والدسر  مع جواز إرادة المعنى الأصلي.

 

تعريف آخر للكناية :

هي تعبير تم استعماله في غير معناه الأصلي الذي وضع له مع جواز إرادة المعنى الأصلي .

مثاله :

قالت المرأة للأمير : (أشكو إليك قلة الجرذان في بيتي)

المعنى الخفي الذي يفهم من هذا الكلام أنها امرأة فقيرة ليس في بيتها مايدعو الجرذان لزيارته فهي كناية عن الفقر والعوز فكنَّت عن الفقر بقلة الجرذان .

والكناية أحد أساليب البلاغة وتصنف ضمن علم البيان الذي يعطي المعاني جمالاً لأن في الكناية تلميحاً والتلميح أحياناً يكون أجمل من التصريح لما فيه من استعمال الذهن للكشف عن المعنى الخفي فتجد المتعة في الكناية .

 

أنواع الكناية

هناك ثلاثة أنواع للكناية :

1.    كناية عن صفة : مثالها قوله تعالى (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا) الإسراء الآية (23)

المعنى الظاهر في قوله تعالى (مغلولة إلى عنقك ) إحكام قبضة اليد على العنق وهو جائز ولكن ليس هو المعنى المقصود إنما المقصود هو صفة البخل .

والظاهر في قوله تعالى (ولا تبسطها كل البسط) هو بسط اليد ومدها إلى الأمام ولكن المعنى المقصود هنا هو  صفة الإسراف.

2.    كناية عن موصوف ومثال ذلك قوله تعالى (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ) القلم الآية(48)

وهنا يوجد كناية عن سيدنا يونس عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام لأنه يلقب ويوصف بصاحب الحوت, ويوجد في المثال السابق كناية أخرى عن صفة قلة الصبر .

3.    كناية عن نسبة ومثالها قول المتنبي  :

أَنا الَّذي نَظَرَ الأَعمَى إلى أَدَبي ......... وأَسمَعَتْ كَلِماتي مَن بِهِ صَمَمُ

كنى عن شهرته ومدحه لشعره نسبة لسماع الأصم له و رؤية الأعمى له .

 

الفرق بين الاستعارة والكناية

 

في الاستعارة يكون هناك قرينة أي لفظ يمنع إرادة المعنى الحقيقي لكن في الكناية ليس هناك قرينة أو لفظ يمنع وجود المعنى الحقيقي .

فلا يجوز في الاستعارة استعمال المعنى الحقيقي بينما في الكناية يجوز ذلك فإن قلت رأيتُ بحراً يبذل العلم فهذه استعارة وليست كناية لأن بذل العلم منعت إرادة المعنى الحقيقي وهو البحر فلايخطر على بال أحد أن البحر يبذل العلم .

أما الكناية فليس فيها قرينة أو لفظ يمنع المعنى الحقيقي فإن قلت مثلاً : فلان طويل اليد  فقد يكون طويل اليد فعلاً وهذا جائز لعدم وجود مايمنع هذا المعنى ولكن المراد في قولك فلان طويل اليد هو المعنى الخيالي الذي يختفي خلف المعنى الحقيقي وهو أنه لص  .

أمثلة تطبيقية على الكناية :

1.    قوله تعالى : (وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ) التكوير الآية (4)

كناية عن أهوال يوم القيامة (أي إذا النوق الحوامل في شهرها العاشر أهملت من أصحابها وذلك من هول يوم القيامة )

 

2.    قوله تعالى : (وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) الطور الآية (48)

فإنك بأعيننا كناية عن الحماية والرعاية .

 

3.    ومثال أيضاً عن الكناية القول بأن  فلاناً جبان الكلب : كناية عن صفة الكرم (المقصود أن الكلب إذا تعود كثرة الضيفان فإنه يترك النباح وبهذا نستدل على أن المراد ليس الصفة المذكورة بل المقصود الكرم).

 وقد قال أحد الشعراء :

   وما يَكُ فيَّ من عَيْبٍ فإني جبانُ الكلب مَهْزولُ الفَصِيل

(ومهزول الفصيل أيضاً كناية عن الكرم والفصيل هو ولد الناقة وهزاله بحرمانه من لبنها لنحرها للضيوف أو إطعامهم لبنها، إيثاراً للضيوف بها على الفصيل).

 

4.    قول حسان بن ثابت  :

يُغشَوْنَ حتّــى ما تهَــرُّ كِلابُهُــمْ…..لا يَسْــألونَ عــنِ السَّــوادِ المقبــلِ   أيضاً هنا كناية عن صفة الكرم .

 

5.    قول  الخنساء في مدح أخيها :

 طويلُ النجادِ رفيعُ العمادِ …….كثيُر الرمادِ إذا ما شتا

طويل النجاد  كناية عن طول القامة (والنجاد هو حمالة السيف فالشخص الذي محمل سيفه طويل يجب أن يكون طويل القامة )

رفيع العماد كناية عن السيادة (العماد هو عمود الخيمة والخيمة التي عمودها مرتفع هي خيمة السيد )

 

كثير الرماد كناية عن الكرم ) كثير الرماد يعني أن ناره كثيرة، و النار المتقدة كانت للطهي الكثير، وذلك يدل على كثرة ضيوفه فهو بذلك كريم)

 

6.    فلان طاهر الثياب : كناية عن العفة.

 

7.    فلان يشار له بالبنان  : كناية عن شهرته وتميزه .

 

8.    ألقى الجندي سلاحه : كناية عن الاستسلام .

 

9.    قول أبي فراس الحمداني :

إذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى ... وأذللتُ دمعاً منْ خلائقهُ الكبرُ

كناية عن التحكم بالدمع الذي لايظهره للأخرين أي كناية عن  العزة .

 

تَكادُ تُضِيءُ النّارُ بينَ جَوَانِحِي  ...  إذا هيَ أذْكَتْهَا الصّبَابَة ُ والفِكْرُ

كناية عن شدة الحب .

 

10.قول النابغة الذبياني :

كِليني لِهَمٍّ يا أُمَيمَةُ ناصِبِ .....وَلَيلٍ أُقاسيهِ بَطيءِ الكَواكِبِ

بطيء الكواكب : كناية عن طول الليل .

 

11.قول عمر بن أبى ربيعة

 بعيدة مهوى القرط إما لنوفل .... أبوها وإما عبد شمس وهاشم

    بعيدة مهوى القرط  : كناية عن طول العنق .

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله